فصل: تفسير الآية رقم (144):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير آيات الأحكام



.أقسام النسخ:

النسخ يكون بنسخ التلاوة مع بقاء الحكم كما ورد عن عمر رضي الله عنه أنه قال: «كان فيما نزل من القرآن الشّيخ والشّيخة إذا زنيا فارجموهما» وقد نسخت التلاوة وبقي الحكم.
وقد يكون النسخ للحكم مع بقاء التلاوة، وهو كثير. كآية الوصية، وآية العدة وتقديم الصدقة عند مناجاة الرسول صلّى الله عليه وسلّم.
وقد يكون النسخ للحكم والتلاوة معا، كما روي عن عائشة رضي الله عنها «كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرّمن ثم نسخ بخمس رضعات معلومات يحرّمن» والجزء الأول منسوخ الحكم والتلاوة، والجزء الثاني وهو الخمس منسوخ التلاوة باقي الحكم عند الشافعية.
ثم إنّ الخلاف في أنّ القرآن ينسخ بغير بالقرآن، والخبر المتواتر بغير المتواتر أو لا؟
فقد منع الشافعي رضي الله عنه نسخ القرآن بغير القرآن مستدلا بهذه الآية: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها} ودلالتها من وجوه:
الأول: أنه قال (نأت) وأسند الإتيان إلى نفسه، وهو لا يكون إلا إذا كان الناسخ قرآنا.
الثاني: أنه قال: (بخير) ولا يكون الناسخ خيرا إلا إذا كان قرآنا.
والثالث: أنه قال: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ويدخل في ذلك النسخ، بل إنما سيقت الآية له، فالنسخ لابد أن يكون لله.
والرابع: وهو أقوى أدلته قوله تعالى: {وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ إلى آخر الآية} [النحل: 101] حيث أسند التبديل إلى نفسه وجعله في الآيات.
وهو استدلال غير واضح، فإنّه لا معنى لأن يكون لفظ الآية خيرا من لفظ آية أخرى، إنما الخيرية تكون بين الأحكام، فيكون الحكم الناسخ خيرا من الحكم المنسوخ بحسب ما علم الله من اشتماله على مصالح العباد بحسب أوقاتها وملابساتها، وإذا كان الأمر كذلك فالمدار على أن يكون الحكم الناسخ خيرا، أيّا كان الناسخ قرآنا أو سنة، والكل من عند الله، {وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3)} [النجم: 3].
على أنه قد وقع نسخ القرآن في آية الوصية بحديث «لا وصية لوارث»، وتمام البحث مستوفى في علم الأصول.
بقي أن يقال: إن تعريف النسخ الذي ذكرتموه لا يتناول نسخ التلاوة فنقول: إن التعبد بالتلاوة حكم من الأحكام.
{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 106] الاستفهام قيل: للتقرير، وقيل: للإنكار، والمخاطب هو الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وخطابه خطاب لأمته، وقيل: لكل من بلغه هذا الخطاب على حد «بشّر المشائين إلى المساجد».
وقيل الخطاب لمن أنكر النسخ، والمراد الاستشهاد بعلم المخاطب بما ذكر على قدرته تعالى على النسخ، والإتيان بما هو خير أو مماثل، لأنّ ذلك من جملة الأشياء الداخلة تحت قدرته تعالى، فمن علم أن الله صاحب القدرة التامة والسلطان الشامل. على قدرته على ذلك قطعا.
{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} [البقرة: 107] أي قد علمت أيّها المخاطب أن الله تعالى له السلطان القاهر، والاستيلاء الباهر، المستلزمان للقدرة التامة على التصرف الكلي، إيجادا، وإعداما، وأمرا، ونهيا، حسبما تقتضيه مشيئته، لا معارض لأمره، ولا معقب لحكمه، فمن هذا شأنه كيف يخرج عن قدرته شيء من الأشياء؟
والكلام على هذا النحو بمثابة الدليل لما قبله في إفادة البيان، ولذلك ترك العطف.
{وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} [البقرة: 107] عطف على الجملة الواقعة خبرا، وفيه إشارة إلى دخول الأمة في الخطاب بقوله: {أَلَمْ تَعْلَمْ}. و(من) الأولى ابتدائية، والثانية زائدة. والولي: المالك، والنصير: المعين. والفرق بينهما أن المالك قد لا يقدر على النصر، وقد يقدر ولا يفعل. والمعين قد لا يكون مالكا، بل قد يكون أجنبيا، فجمع بينهما لذلك. والمراد من الآية الاستشهاد على تعلق إرادة الله بما ذكر من الإتيان بما هو خير من المنسوخ أو بمثله. فإنّ مجرّد قدرته تعالى على ذلك لا يستدعي حصوله. وإنما الذي يستدعيه مع ذلك كونه وليا نصيرا. فمن علم أنه وليّه ونصيره، وأنه لا وليّ له ولا نصير سواه، يعلم قطعا أنه لا يفعل به إلا ما هو خير، فيفوّض أمره، ولا يخطر بباله ريبة في أمر النسخ وغيره أصلا.
{أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (108)} [البقرة: 108] زعم بعضهم أنّ (أم) هنا متصلة. وقطع بعضهم بأنها منقطعة بناء على دخول الرسول صلّى الله عليه وسلّم في الخطاب السابق، وعدم دخوله في هذا الخطاب، وذلك مخلّ بالاتصال، وذهب بعضهم إلى أنها لمجرد الاستفهام. والمراد عليه: أتريدون إلخ.
وعلى التقديرين الأولين المراد توصية المسلمين بالثقة بالرسول صلّى الله عليه وسلّم، وترك الاقتراح بعد رد ظن المشركين واليهود في النسخ، فكأنه قيل: لا تكونوا فيما أنزل إليكم من القرآن كاليهود في ترك الثقة بالآيات البينات، واقتراح غيرها، فتضلّوا، وتكفروا بعد الإيمان، وفي هذه التوصية كمال المبالغة والبلاغة، حتى كأنّهم بصدد الإرادة، فنهوا عنها، فضلا عن السؤال.
هذا وقد ذكر بعض المفسرين أنّ الصحابة اقترحوا على الرسول أشياء بعينها فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سبحان الله! هذا كما قال قوم موسى: {اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف: 138] والذي نفسي بيده لتركبنّ سنن من قبلكم...» الحديث.
زعم بعضهم أن الخطاب فيها لليهود، وأن الآية نزلت فيهم حين سألوا أن ينزّل عليهم كتاب من السماء جملة كما نزلت التوراة على موسى جملة، ويكون الفعل المضارع مرادا منه الماضي. واختاره الإمام الرازي. قال: إنه الأصح. لأن السورة من أول قوله: {يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 40] حكاية عن اليهود، ومحاجّة معهم، ولأنّ المؤمن بالرسول لا يكاد يسأل ما يكون متبدلا به الكفر بالإيمان.
وذهب قوم إلى أنها نزلت في أهل مكة، حين سألوا المصطفى أن يجعل لهم الصفا ذهبا، وأن يوسّع لهم أرض مكة، وأن يفجّر الأنهار خلالها تفجيرا، ولا مانع من جعل الكل أسبابا.
{وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ} جملة مستقلة مشتملة على حكم كليّ أخرجت مخرج النهي جيء بها لتأكيد النهي عن الاقتراح المفهوم من قوله: {أَمْ تُرِيدُونَ}.
و(سواء) بمعنى وسط أو مستو، والإضافة من إضافة الصفة للموصوف، والباء داخلة على العوض المتروك، نظيرها في قوله تعالى: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} [البقرة: 61].
وحاصل الآية: أن من يترك الثقة بالآيات البينات المنزلة بحسب المصالح، التي من جملتها الآيات الناسخات، التي ما جاءت إلا لمحض الخير، واقتراح غيرها، فقد حاد من حيث لا يدري عن الطريق المستقيم، الموصل إلى معالم الحق والهدى.
هذا وقد زعم بعضهم أن (آية) في قوله تعالى: {ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} لا يراد منها الآية القرآنية، بل المراد المعجزات الدّالّة على صدق الرسل، حيث يبدّل الله معجزة الرسول السابق بالمعجزة التي يأتي بها الرسول الذي بعده، وإنما لجأ إلى ذلك فرارا من تفسير الإنساء ونحوه، وتمشيا كما يزعم مع قوله: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ومن علم ما ذكروه في أسباب النزول من أن الآية جاءت للتمهيد في تحويل القبلة، ونسخ التوجه إليها بالتوجه إلى الكعبة: علم أنه لا داعي إلى ما زعمه.

.تفسير الآية رقم (144):

قال الله تعالى: {قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144)}.
اختلف العلماء في نزول هذه الآية، فقال قوم: هي متقدمة في النزول على قوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها} [البقرة: 142] وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنه، ويؤيده ما رواه البخاري عن البراء بن عازب قال: قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة، فصلّى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحب أن يتوجه نحو الكعبة فأنزل الله تعالى: {قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ}. فقال السفهاء من الناس، وهم اليهود: ما ولّاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ فقال تعالى: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ}.
وذهب الزمخشري وغيره إلى أنّ هذه الآية متأخرة في النزول والتلاوة عن قوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهاءُ...} ويكون قوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهاءُ} مستقبلا أريد به الإخبار بمغيّب يكون من اليهود عند نزول الأمر باستقبال الكعبة، ليكون ذلك معجزا بما فيه من الإخبار بالغيب، ولتتوطن النفس على ما يرد من الأعداء، وتستعد له، فيكون أقل تأثيرا منه عند المفاجأة، وليكون الجواب حاضرا للرد عليهم عند ذلك، وهو قوله تعالى: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ}.
{قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ} أي كثيرا ما نرى تردّد وجهك في جهة السماء متشوّقا للوحي، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقع في قلبه، ويتوقع من ربه أن يحوله إلى الكعبة، لما أن اليهود كانوا يقولون: يخالفنا محمد ويتّبع قبلتنا، ولأنها قبلة أبيه إبراهيم عليه السلام، وأدعى إلى إيمان العرب.
والظاهر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يسأل ذلك، بل كان ينتظره فقط، إذ لو وقع السؤال لكان الظاهر ذكره، وفي ذلك: دلالة على كمال أدبه عليه الصلاة والسلام، وقال قتادة والسدي وغيرهما: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقلب وجهه في الدعاء إلى الله أن يحوّله إلى الكعبة، وعلى هذا يكون السؤال واقعا، وإنما لم يذكر، لأنّ تقلّب الوجه نحو السماء وهي قبلة الدعاء يشير إليه.
ولعل ذلك بعد حصول الإذن له بالدّعاء، لما أن الأنبياء لا يسألون الله تعالى شيئا من غير أن يأذن لهم فيه. وقد ورد في بعض الآثار أنه صلّى الله عليه وسلّم استأذن جبريل في أن يدعو الله، فأخبره جبريل أن الله قد أذن له، على أنه لا مانع من السؤال ابتداء لمصلحة ألهمها، ومنفعة دينية فهمها، ولا يتوقف ذلك على الاستئذان والإذان.
وليس في الآية ما يدل صريحا على أنه سأل أو لم يسأل، وقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن البراء بن عازب قال: صلينا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد قدومه المدينة ستة عشر شهرا نحو بيت المقدس، ثم أظهر الله علمه برغبة نبيه عليه الصلاة والسلام، فنزلت الآية: {قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ} وقد يفهم من هذا أن السؤال لم يقع.
قال الزمخشري: إنّ (قد) هنا بمعنى (ربما) وهي للتكثير، وقال أبو حيان: بل التكثير مستفاد من لفظ التقلّب، لأنه مطاوع التقليب، ومن نظر مرة أو ردد بصره مرتين أو ثلاثا لا يقال: إنه قلب، فلا يقال قلّب إلا حيث الترديد كثير. و(نرى) هنا بمعنى الماضي، وقد ذكر بعض النحاة أن (قد) تقلب المضارع ماضيا، ومنه ما هنا، ومنه قوله: {قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ} [النور: 64] {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ} [الحجر: 97] {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ} [الأحزاب: 18] والمعنى قد رأينا إلخ.
{فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً} أي لنمكنّنك من استقبالها، من قولك: وليته كذا إذا جعلته واليا له، والفاء لسببية ما قبلها في الذي بعدها.
{تَرْضاها} تحبها، وتميل إليها لأغراض صحيحة أضمرتها في نفسك تريد بها أن يجتمع الناس على قبلة واحدة، فتتحد قلوبهم، ويكون من وراء ذلك خير عظيم.
{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ} الفاء لتفريع الأمر على الوعد السابق، والمعنى: فاصرف وجهك شطر المسجد الحرام، وإنما فسّرنا التولية هنا بمعنى الصرف، لأنّها بالمعنى السابق تكون متعدية إلى مفعولين، وهي هنا معدّاة إلى واحد.
و{شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ} نحوه وقبله وتلقاؤه، وفي ذكر المسجد الحرام الذي هو محيط الكعبة دون الكعبة مع أنها القبلة لا المسجد على ما جاء مصرّحا به في الأحاديث إشارة إلى أنه يكفي للبعيد محاذاة جهة القبلة، قاله الألوسي.
وذكر غيره أن محاذاة الجهة مفهومة من قوله شطر المسجد، {وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} هذا تصريح بعموم الحكم المستفاد من {فَوَلِّ وَجْهَكَ}.
والفائدة من ذكره- مع أن خطاب النبي صلّى الله عليه وسلّم خطاب لأمته- الاهتمام بشأن قبلة الكعبة، ودفع توهّم أنّ الكعبة قبلة المدينة وحدها، لأنّ الأمر بالصرف كان فيها، فربما فهم أن قبلة بيت المقدس لا تزال باقية. فدفعا لهذا الإيهام كان التصريح بعموم الحكم في عموم الأمكنة: {وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} [البقرة: 144] إن اليهود والنصارى بما أنزل إليهم في التوراة والإنجيل في شأن النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم، والبشارة به، وأنه سيصلي إلى القبلتين: بيت المقدس، وقبلة أبيه إبراهيم الذي أمر أن يتّبع ملّته، ليجزمون أن تحويل القبلة بترك التوجه إلى بيت المقدس والتوجه إلى الكعبة حق لا مرية فيه، وأن ذلك أمر ربهم، {وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} اعتراض بين الكلامين جيء به لوعد الفريقين ووعيدهم، وقرأ ابن عامر والكسائي تعلمون بالتاء، فهو وعد للمؤمنين.